الخميس، 13 سبتمبر 2012

دمعة أم


 

يا لها من ليلة عصيبة تحول فيها الفِراش إلى جَلاد يجلد جسدي بكل ضراوة ووحشية ،
كشفت فيها النفس عن أنيابها وتمردُها
تسارعت الأفكار الصاخبة في عقلي وعلا صوتها على صوت السِياط التي
تُعربد في أنحاء جسدي بلا شفقة أورحمة
إلى أن أهَلَّ على نافذتي وجه صباحِ شاحب وقد كانت نفسي ما زالت تُسائِلني
أين أنتِ؟؟ وماذا فعلتِ في نفسك؟؟ ماذا حققتِ من آمال وطموحات؟؟
لماذا قضيتِ عمرك تمنحين دون مقابل وأنت ِتعرفين جيدا أن قطار العمر مُسرعٌ بكِ إلى النهاية
بدون توقف أو هوادة
لماذا أذبتِ نفسك كالشمعة ليستضئ غيرك بنورك؟؟
هل يشعر أحد باحتراقك؟؟
هل هناك من يمسح دموع قلبك التي تسيل على جدرانه؟
أصبحتِ كقطعة جليد أذابتها حرارة الشمس وتلاشت وسط مياه البحر
أين وجودك؟؟
أُخرجي من سجنك ،حطمي قيودك فقد فقدتِ طعم الحياة لم تعد عيناك ِتُبصر الألوان
وأصبح كل شئ باهتاً بارداً
انطلقي بحرية وتنفسي تنفـــــسي تنفـــــــــــــــسي
انتفضتُ من فراشي يقضمني الفزع
وأخذتُ أدور في الغرفة كالموجة الجانحة
أحسست أن الجدران تُطبق على صدري فتضيق أنفاسي شيئاً فشيئاً
وأن دبيب الحياة بدأ يتسرب من أوصالي
أخذت معطفي وخرجت مسرعة إلى شاطئ البحر فقد كان على بعد خطواتٍ من المنزل
جلست أُلملم روحي المبعثرة
وأتنفس بعمق رطوبة الهواء إلى أن هدأت أنفاسي وأحسست أنني مازلت على قيد الحياة
وهبت ُنفسي للبحر فهو الوحيد القادر على تهدئتي
تابعت أمواجه في سكون فبدأ يُوشوشني وأوشوشه كعادتنا
تمنيت أن أكون موجة تهيم بين أحضانه فيطوقني بذراعيه الحانية ويعتصر ألمي وكأنه أمي أو أبي
تمنيت أن أعزف لرماله الألحان الرطبة يا لها من معزوفة خالدة لاينقطع لحنها،
ثم رأيت طيرا مغردا يُحلق عاليا ، يفرد جناحيه الرائعيّ الحُسن في الفضاء الفسيح يتراقص مستقبلا
صباحا جديدا باسطا كفيه بالنور
لِما لا أكون أنا هذا الطير، لما لا ألهو مع النوارس أو ألحق بأسراب الطيور المهاجرة؟؟
أحط على بلاد وأكتشف بحيرات
أتنسم رحيق الحرية في كل مكان
ليتني قطرة ندى من هذه القطرات التى تلتمع على وجنات النبات كحبات الماس
ما أجملها وهي متراصة كالعقد الدقيق الصنع حول عنق حسناء،
وأنا وسط هذه الأفكار هبت ريحٌ عاصفة فتحول البحر إلى وحشِ كاسر..هاج الموج وثار
انقلبت ألحانه إلى صياح و غناءه إلى عويل
أخذ يرتطم بأحجار الشط فيقذفه بكل قسوة ليرتد مرة أخرى ولا يجد سبيلاً للخلاص
وقفت لِألملم معطفي حول جسدي فإذا بالرياح تقذف طائرا تحت قدمي
كان ينازع سكرات الموت ،يئن بصوت حزين وقد خبا تألق ريشه وتلطخ برمال الشط
فرد جناحيه لكن هذه المرة مستسلما للموت
وفي لحظة رأيت شعاع الشمس يُشرق على الشاطئ ويغتال قطرات الندى التي كانت تلمع منذ قليل
فتتبخر فى الهواء وتتلاشى وكأنها لم تكن
فاستغفرت الله الذي خلق كل شئ وقدره تقديرا
وتذكرت قول الحق تبارك و تعالى:
{وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَارَحِمَ رَبِّيَ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ } وفجأة أحسست بمن يجذبني من الخلف فالتفت مرتعبة فإذا بابني الصغير
الذي صحا من نومه وأخذ يبحث عني في أرجاء المنزل ثم رآني من النافذة وأنا أجلس على الشاطئ
فترك فراشه الوثيرالدافئ وخرج ورائي
نظرت إليه باستغراب وعيني ممتلئة بدموع تبعثر بعضها على خدي فأخذ يمسح دموعي
بيديه الصغيرتين الباردتين فأخذته في حضني وقبلته
فردت أصابعه الباردة في كفي لكي أمنحه الدفء الذي بدأ يتسلل إلى قلبي   

 

خلعت معطفي وألبسته إياه ومسكت يده الصغيرة ورجعنا سويا إلى البيت يغمرني شعورا بالراحة والرضا
وبدأت أشم رائحة الحياة تنبعث من قلبي فهل هناك أزكى من رائحة الأمومة؟؟
 
 
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق